مسافر في بلاد المشاريع: رحلة بين التأهيل والإعتماد

في مثل هذا التاريخ 17 أكتوبر 2019 كان موعدي مع إنطلاق رحلة سفري نحو بلاد المشاريع. 

محطة المغادرة كانت مع المعلم والدكتور سالم القحطاني في دورة “ادارة المشاريع الاحترافية في القطاع غير الربحي” كأول دورة تدريبية لي في القطاع غير الربحي، وأول مرة أسمع بشهادة PMP. وأول لقاء مع معلمي الفاضل. وفيها منحني بطاقة الصعود Boarding Pass.

في ذلك اليوم، لم أخرج فقط بإطار عمل لإدارة المشاريع، بل خرجت بكتاب أهداه لي كان عنوانه “الأمور الصعبة في إدارة المشاريع الناشئة“. لم أكن أعلم حينها أن هذا الكتاب لم يكن مجرد هدية، بل كان خريطة طريق للرحلة التي سأخوضها، رحلة تؤمن بأن القيمة الحقيقية لا تكمن في الإجابات السهلة، بل في خوض التجارب الصعبة، وكأن المعلم رأى نواة رحلة تحتاج إلى وقود فكري.

الأربعاء ١٧ أكتوبر 2019 – جدة

ومنها أنطلقت رحلة تملكت كل عظمة بجسمي وكل مركز في دماغي، لم تفارقني حتى اللحظة. كل يوم أقود سيارتي لمكان ما، أرها مشروع، أسافر لإجازة شخصية، أراها مشروع، أدرس دورة تدريبية، أرها مشروع، أزرع شتلة، أراها مشروع.. كل شيء بالحياة اليومية أراه مشروع. من يعرفني بالواتساب يعرف قصة #مشروع_الويكند و #الرحلة_برعاية 

ولا تزال رحلتي مستمرة منذ ستة أعوام من الممارسة والتطبيق وتصحيح المفاهيم وإعادة تطبيقها واختبارها ميدانياً لي، والسؤال المطروح، هل أنا في القطار الصحيح؟ 

في هذة الرحلة قابلت مسافرين كثر، منهم المسافر الدائم وهو من تخرج من جامعة الحياة في المشاريع وإن لم يسمع بـ PMI

ومنهم من ركب موجة السفريات وغادر القطار في أول محطة توقف كي لا تطول مسافة العودة كما يقولون. 

ومنهم من يركب القطار ولا يعرف أن هو متجه، المهم “معكم”، وغيرهم الكثير ممن نراهم في رحلاتنا 😁.

أما أنا فكنت المسافر الذي ينزل في كل محطة، يلف الأسواق والحارات، يتذوق الطعام هنا وهناك، يسأل عن سبب أسم هذا الشارع وذاك. ولماذا تصلك هذة الجادة إلى البحر والآخرى تذهب بك للجبل. ثم أستقل الحافلة إلى المحطة التالية. فتعلمت معنى تحليل المشكلة والتقاط الفرصة، وتعلمت السبب والنتيجة.

من المحطات التي زرتها كانت جامعة ميدأوشن فغرفت من نهرها وحصلت على ماجستير إدارة المشاريع. ليصبح أول أعتماد أكاديمي لي بالمشاريع. فتعلمت منها البحث والتدقيق، وذكاء الأعمال يكمن في طرح الأسئلة لا في الإجابات.

Am I donig the right project?

Or

Am I doing the project right?

ومن المحطات التي لا أزال أتوقف عندها كثيراً هي مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والمشاريع التطوعية الطبية في عدد من الدول العربية والأفريقية. فيها تعلمت من هم المعنيين الحقيقين للمشروع Stakeholders وتعلمت قيادة الفريق Team Leader وإن لم يكن مسماك Scrum Master، وكيف تُدار المخاطر (Risk Management) في الميدان لا في الكتب.

من داخل طائرة C-130

في كل هذة المحطات وغيرها كنت أتعامل مع ساكنيها وزائريها من زملاء كرام حاصلين على PMP أي أنهم Certified ويسألوني لماذا أنت مسافر بلا توقف؟ لماذا لم تختبر PMP وتنهي رحلتك بها وأنت لديك ولديك؟ 

تنوعت إجاباتي بتنوع المحطات والزمان ولكن الشعور الداخلي كان سؤالي/ هل المهم هو أن أكون معتمد Certified أو مؤهل Qualified ؟ هل المهم الرحلة أم الوجهة ؟ 

“الرحلة نحو التأهيل قد تكون أطول من طريق الاعتماد، لكنها الرحلة التي تصنع منك مشروعك الأجمل.”

الإعتراف المهني والأكاديمي بأنني مدير مشاريع مهم صحيح، ولكن قناعتي بأن أكون مؤهلاً كانت طاغية في عقلي وهي الهاجس لدي وأن أكون إضافة للإعتراف وليس الإعتراف ما يضيف لي ثلاثة أحرف أتكسب بها زيادة راتب وسمعة لا أستحقها. فلم أكن أبحث عن شهادة تُعرّفني كمدير مشروع معتمد، بل عن رحلة تجعل حياتي كلها مشروعًا يستحق أن يُدار.

، إلى أن وصلت قبل أسبوع لمحطة اختبار PMP والذي تم بحمد الله. ولعل تفاصيلها تكتب على منديل ما. 

٧ أكتوبر ٢٠٢٥

ستة أعوام مرّت، ولا تزال رحلتي مستمرة، تملؤها الدروس، والتجارب، تصادفها وجوه وتفارقها أخرى تاركت أثرها في كل محطة.

لا أعلم ما هي المحطة القادمة، و لا أعلم متى يتوقف القطار

لكني متأكد أنها في رحلة المشاريع.

فليست الوجهة ما يصنعنا، بل الرحلة وما نصبحه خلالها.

ولعلي أختم بإقتباس لـ Ben Horowitz من كتابه السابق

“القيادة ليست في اختيار الطريق السهل، بل في اتخاذ القرار حتى إذا لم تكن لديك كل المعلومات.”

أهداء معلمي لي يوم السبت الماضي ١١ أكتوبر ٢٠٢٥ 🤣


اكتشاف المزيد من د. عبدالهادي العتيبي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


Comments

4 ردود على “مسافر في بلاد المشاريع: رحلة بين التأهيل والإعتماد”

  1. رحلتك مُلهمة بكل تفاصيلها، اتمنى لك دوام التوفيق في كل محطاتك القادمة ♥️.

  2. الصورة الرمزية لـ علي عياد
    علي عياد

    في مثل هذا اليوم انت المدير و انت الشخص الملهم الذي احاوله ان اتبع خطواته في النجاح

    اخوك علي عياد 🫶🏻

  3. الصورة الرمزية لـ Mai Alotabi
    Mai Alotabi

    كنت وما زلت الشخص الشغوف الذي يطمح الجميع ان يصل لنصف ما وصلته ، مبدع دائماً يا ابو جاسم .

  4. كل إنجازٍ تحققه يزيدني يقينًا أن التميز ليس حظا بل طبع فيك فخوره بك وبكل ما وصلت إليه…
    لأنك لست مجرد ناجح بل مصدر إلهامٍ لكل من عرفك